76 عام على وفاته .. شوقي "أمير الشعراء"
إعداد - مي كمال الدين
أحمد شوقي
أحمد شوقي كان ومازال متربعاً أميراً على الشعراء وذلك على الرغم من مرور 76 عام على وفاته التي كانت في أكتوبر 1932، هذا الشاعر المميز الذي عاصر أشكال مختلفة من الحياة فكان مترفاً منعماً في بيت الخديوي ثم منفياً بعيداً عن وطنه ثم حاملاً للهم الوطني والعربي، وقد انعكس كل ذلك على أشعاره والتي وثق من خلالها مراحل مختلفة في حياته كشاعر في ظل هذا الوطن.
حياته
ولد أحمد شوقي في القاهرة عام 1868م، تختلط في عروقه دماء عربية وكردية وجركسية ويونانية وذلك تبعاً لأصول ونسب والديه وأجداده، نشأ شوقي تحت رعاية جدته اليونانية والتي كانت تعمل كوصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وبالتبعية نشأ شوقي في رعاية الخديوي.
التحق شوقي بكتاب الشيخ صالح بحي السيدة زينب في الرابعة من عمره ليتلقى فيه أول تعليمه، وفي المرحلة الابتدائية درس بمدرسة المبتديان، وانتقل منها إلى المدرسة التجهيزية أو الثانوية، وهيأ له تفوقه حصوله على المجانية كمكافأة له، وعقب إتمام دراسته الثانوية التحق بمدرسة الحقوق وحصل منها على شهادته في الترجمة.
تألقت موهبة شوقي الشعرية في مرحلة مبكرة لفتت إليه الأنظار وخاصة نظر أستاذه محمد البسيوني أستاذ البلاغة بمدرسة الحقوق، والذي بهر بموهبة شوقي وتنبأ له بمستقبل شعري مميز، وهو ما قد كان فعلاً.
برعاية الخديوي
نشأ شوقي كما سبق أن ذكرنا في رعاية الخديوي وتحت مظلة الأسرة الحاكمة الأمر الذي جعله يحيا حياة مترفة، يقول شوقي حدثتني جدتي أنها دخلت بي على الخديوي إسماعيل وأنا في الثالثة من عمري، وكان بصري لا ينزل عن السماء من اختلال أعصابه، فطلب الخديوي بدرة من الذهب ثم نثرها على البساط عند قدمي، فوقفت على الذهب اشتغل بجمعه واللعب به، فقال لجدتي " اصنعي معه مثل هذا، فإنه لا يلبث أن يعتاد النظر إلى الأرض"، فقالت "هذا دواء لا يخرج إلا من صيدليتك يا مولاي" قال جيئي به متى شئت فإني أخر من ينثر الذهب في مصر".
بعد أن نال شوقي شهادته عينه الخديوي في خاصته فأصبح موظفاً في رئاسة القلم الأفرنجي في القصر والذي أصبح رئيساً له بعد ذلك، وأوفده الخديوي لدراسة الحقوق بفرنسا، فالتحق بجامعة مونبيليه وانتقل منها إلى جامعة باريس.
مكث شوقي بفرنسا حوالي ثلاث سنوات ونصف أتم فيهم دراسته في الحقوق عام 1893م، ثم عمد إلى الثقافة الفرنسية يطلع عليها وينهل من أدبها وفنونها فاطلع على أشعار لافونتين، ولامارتين، وفيكتور هوجو وغيرهم من الشعراء والأدباء، هذا بالإضافة لعشقه للمسرح الكلاسيكي لكل من راسين وكورني واللذان تركا أثراً كبيراً عليه أتضح بعد ذلك في أعماله التاريخية، عاد إلى مصر في أوائل عام 1894 فقام الخديوي توفيق بضمه إلى حاشيته، وبعد وفاة توفيق جاء الخديوي عباس والذي كان شوقي شاعره ورفيقه في جلساته ورحلاته.
كان للقصر الذي ترعرع شوقي تحت رعايته تأثير بالغ عليه فقد كرس جهده في بداية حياته لمدح الخديوي والقصر، فكان بعيداً إلى حد ما عن الناس ومشاكلهم وحياتهم يحيا حياة الأمراء، ويقوم بمدح الخديوي توفيق ومن بعده الخديوي عباس حلمي والذي كان شوقي شديد القرب منه فكرث العديد من قصائده لمدحه والدفاع عنه، والوقوف معه بوجه الإنجليز وغيرها من القصائد التي نظمها شوقي تقرباً وحباً للخديوي ولدولة الخلافة العثمانية.
قام الخديوي عباس الثاني بإيفاده إلى جينيف ليمثل بلاده في مؤتمر المستشرقين عام 1894، وهناك ألقى قصيدته "كبار الحوادث في وادي النيل" والتي قال فيها:
هَــمَّـتِ الـفُـلـكُ وَاِحـتَـواهـا الـمـاءُ
وَحَــداهــا بِــمَــن تُــقِــلُّ iiالــرَجــاءُ
ضَــرَبَ الـبَحرُ ذو الـعُبابِ حَـوالَيها
سَــمــاءً قَــــد أَكـبَـرَتـهـا الـسَـمـاءُ
وَرَأى المارِقونَ مِن شَرَكِ الأَرضِ
شِـــبـــاكــاً تَـــمُـــدُّهــا الــــدَأمـــاءُ
وَجِـــبــالاً مَــوائِــجـاً فــــي iiجِــبــالٍ
تَـــتَـــدَجّــى كَـــأَنَّــهــا iiالــظَــلــمـاءُ
وَدَوِيّـــــاً كَـــمــا تَــأَهَّـبَـتِ iiالــخَـيـلُ
وَهـــاجَـــت حُــمــاتَـهـا الــهَـيـجـاءُ
في المنفى
بوقوع الحرب العالمية الأولى قام الإنجليز بإبعاد الخديوي عباس حلمي عن مصر، والذي عرف عنه عدائه لهم وقاموا بتعيين قريبه السلطان حسين كامل بدلاً منه، كما قاموا بتغيير موظفي القصر، ونظراً للمكانة التي كان يحتلها أحمد شوقي في القصر وعند الخديوي السابق، قام الإنجليز بنفيه فأختار شوقي أن ينفى مع أسرته إلى الأندلس وذلك في عام 1914 وتم فرض الحماية البريطانية على مصر.
على الرغم من قسوة المنفى إلا أن شوقي تمكن في هذه الفترة من توسيع دائرة إطلاعه، فتعلم الأسبانية، واطلع على كتب التاريخ الخاصة بتاريخ الأندلس والمسلمين وحضارتهم، بالإضافة لزيارته للأماكن التاريخية، وكان في منفاه يتذكر وطنه ويشتاق إليه ويتمنى أن يعود مرة أخرى ليحيا بين ربوعه.
مما قاله في شوقه للوطن
وَسَلا مِصرَ هَل سَلا القَلبُ عَنها
أَو أَسـا جُـرحَهُ الزَمانَ المُؤَسّي
كُــلَّـمـا مَــــرَّتِ الـلَـيـالي iiعَـلَـيـهِ
رَقَّ وَالـعَـهدُ فـي الـلَيالي iiتُـقَسّي
وَسَلا مِصرَ هَل سَلا القَلبُ عَنها
أَو أَسـا جُـرحَهُ الزَمانَ المُؤَسّي
كُــلَّـمـا مَــــرَّتِ الـلَـيـالي iiعَـلَـيـهِ
رَقَّ وَالـعَـهدُ فـي الـلَيالي iiتُـقَسّي
مُـسـتَـطـارٌ إِذا الــبَـواخِـرُ رَنَّـــت
أَوَّلَ الـلَـيلِ أَو عَـوَت بَـعدَ جَـرسِ
راهِـبٌ في الضُلوعِ لِلسُفنِ iiفَطنُ
كُـلَّـمـا ثُـــرنَ شـاعَـهُـنَّ iiبِـنَـقـسِ
يــا اِبـنَـةَ الـيَـمِّ مــا أَبــوكِ iiبَـخيلٌ
مـــا لَــهُ مـولَـعاً بِـمَـنعٍ iiوَحَـبـسِ
أَحـــرامٌ عَــلـى بَـلابِـلِـهِ iiالـــدَوحُ
حَـــلالٌ لِـلـطَيرِ مِــن كُــلِّ iiجِـنـسِ
كُـــــلُّ دارٍ أَحَـــــقُّ بِـــالأَهــلِ iiإِلّا
فـي خَـبيثٍ مِـنَ الـمَذاهِبِ iiرِجسِ
نَـفـسـي مِـرجَـلٌ وَقَـلـبي iiشِــراعٌ
بِهِما في الدُموعِ سيري iiوَأَرسي
وَاِجـعَلي وَجـهَكِ الفَنارَ وَمَجراكِ
يَـــدَ الـثَـغرِ بَـيـنَ رَمــلٍ iiوَمَـكـسِ
وَطَـنـي لَــو شُـغِلتُ بِـالخُلدِ iiعَـنهُ
نـازَعَتني إِلَـيهِ فـي الـخُلدِ iiنَفسي
وَهَــفـا بِـالـفُـؤادِ فـــي iiسَـلـسَبيلٍ
ظَـمَـأٌ لِـلسَوادِ مِـن عَـينِ iiشَـمسِ
شَـهِدَ الـلَهُ لَـم يَـغِب عَـن جُفوني
شَـخصُهُ سـاعَةً وَلَـم يَخلُ iiحِسّي
عاد شوقي إلى مصر عام 1920 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى فأستقبل استقبالاً حافلاً، ولم يعد شوقي مرة أخرى إلى القصر لم يعد إليه بجسده أو بروحه، فبعد أن عاد من المنفى تغيرت نفسه كثيراً فبدأ يقترب من الشعب أكثر وشغل باله همومهم خاصة مع اشتعال الحركة الوطنية وقيام ثورات الشعب من أجل التحرر، فعبر عن ذلك من خلال قصائده التي انشدها في مصر والبلاد العربية.
تفاعل شوقي مع القضايا العربية كافة ولم يقتصر على مصر فقط ومثال على ذلك قيامه بإنشاد قصيدة يوم ثورة دمشق والتي وقف فيها السوريون بوجه الاحتلال الفرنسي فقال شوقي:
مُـسـتَـطـارٌ إِذا الــبَـواخِـرُ رَنَّـــت
أَوَّلَ الـلَـيلِ أَو عَـوَت بَـعدَ جَـرسِ